جلية ، قالوا في شأن الحق الذي أتاهم وهو القرآن : هذا سحر واضح وتمويه خادع ، فكذبوا به وافتروا ، وكفروا وضلوا.
ثم ذكر الله تعالى ما هو أشنع من وصف القرآن بالسحر ورد عليهم ، فقال :
(أَمْ يَقُولُونَ : افْتَراهُ ، قُلْ : إِنِ افْتَرَيْتُهُ ، فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي بل أيقولون : افترى محمد هذا القرآن واختلقه من عند نفسه ، كذبا على الله؟ فرد الله تعالى عليهم : قل لهم أيها الرسول : لو افتريته وكذبت على الله على سبيل الفرض والتقدير كما تدّعون ، وزعمت أنه أرسلني رسولا إليكم ، ولم يكن الأمر كذلك ، لعاقبني أشد العقوبة ، ولم يقدر أحد من أهل الأرض ، لا أنتم ولا غيركم أن يدفع عقابه عني ، فكيف أقدم على هذه الفرية ، وأعرّض نفسي لعقابه؟
وقوله : (أَمْ) للإنكار والتعجيب كما تقدم ، كأنه قيل : دع هذا واسمع القول المنكر العجيب.
ونظير الآية قوله تعالى : (قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) [الجن ٧٢ / ٢٣]. وقوله سبحانه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة ٦٩ / ٤٤ ـ ٤٧] وذكر هنا :
(هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ ، كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي الله أعلم بما تقولون في القرآن ، وتخوضون فيه ، من التكذيب له ، والقول بأنه سحر وكهانة ، كفى بالله شاهدا صادقا يشهد لي بأن القرآن من عنده ، وبالبلاغ لكم ، وبالتكذيب والجحود منكم ، ومع كل هذا الذي صدر منكم فالله هو الغفور لمن تاب وآمن ، وصدّق بالقرآن ، وعمل بما فيه.
وهذا جمع بين الوعيد والتهديد والترهيب وبين الترغيب لهم في التوبة