من الخاسرين. وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) معناه لا يوفقهم إلى الخير ، وهو استئناف بياني ، تعليل لاستكبارهم.
وبعبارة أخرى : ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي قد جئتكم به قد أنزله الله علي لإبلاغكم به ، وقد كفرتم به وكذبتموه ، ألستم تكونون أضل الناس وأظلمهم؟! أو ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم؟ يدل على هذا الجواب المحذوف قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
والشاهد في رأي أكثر المفسرين هو عبد الله بن سلام ، بدليل ما ذكر صاحب الكشاف : «لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة نظر ـ أي ابن سلام ـ إلى وجهه ، فعلم أنه ليس بوجه كذاب ، وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر ، وقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال صلىاللهعليهوسلم :
أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وأما الولد ، فإذا سبق ماء الرجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته ، فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ، ثم قال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت ، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك ، فجاءت اليهود ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : أيّ رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج إليهم عبد الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا ، وانتقصوه ، قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله ، وأحذر» (١).
أما إنكار أن يكون الشاهد هو عبد الله بن سلام ، لأن إسلامه كان بالمدينة
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ١١٩