وتقديرا لمهمته ورسالته التي يبلغكم بها في سكون وهدوء وعدم انزعاج وتبرم نفسي. وهذا أدب ثالث.
(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي نهاكم الله عن الجهر غير المعتاد وعن رفع الصوت خشية أن يذهب ثواب أعمالكم ، أو أن يؤدي الاستخفاف به إلى الكفر ، من حيث لا تشعرون بذلك ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم عن بلال بن الحارث : «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا ، يكتب له بها الجنة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض».
وبعد أن حذر من خطر المخالفة ، رغّب الله تعالى في خفض الصوت وحث عليه قائلا :
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) أي إن الذين يخفضون أصواتهم في أثناء كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي مجالسه ، أخلص الله قلوبهم للتقوى ، ومحّصها ، وجعلها أهلا ومحلا ، كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيده من رديئه ، ويسقط خبيثه ، فكذلك هؤلاء المتأدبون عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، طهر الله قلوبهم من كل قبيح ، ولهم مغفرة لذنوبهم ، وثواب عظيم على تأدبهم بخفض الصوت وسائر الطاعات. ونحو الآية : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [الفتح ٤٨ / ٩].
روى الإمام أحمد عن مجاهد قال : كتب إلى عمر : يا أمير المؤمنين ، رجل لا يشتهي المعصية ، ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضياللهعنه : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).