وقال السّدّي : نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح : أعراب مزينة وجهينة وأسلم وغفار والدّيل وأشجع ، قالوا : آمنّا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى المدينة تخلّفوا (١).
المناسبة :
بعد أن حث الله تعالى على التقوى ، قالت الأعراب : لنا النسب الشريف ، فلنا الشرف ، فذمّهم الله تعالى ، وأبان ضعف إيمانهم ، وحدد أصول الإيمان الصحيح : وهي التصديق بالله ورسوله ، والإخلاص في القلب ، والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله وطاعته وإعلاء دينه ، وأخبر بأن الله يعلم ما في السرائر والعلانية ، فيعلم ما هم عليه من ضعف الإيمان وقوته ، وأفاد بأنه لا ينبغي لمؤمن أن يمتن على الرسول صلىاللهعليهوسلم بإيمانه ، بل الله يمن عليه بتوفيقه للهداية على يد رسوله صلىاللهعليهوسلم.
التفسير والبيان :
(قالَتِ الْأَعْرابُ : آمَنَّا ، قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي قالت جماعة من سكان البادية وهم بنو أسد أول ما دخلوا الإسلام مدعين لأنفسهم مقام الإيمان : صدقنا بالله ورسوله وتمكن الإيمان في قلوبنا ، فرد الله تعالى عليهم مبينا لهم أنهم لم يؤمنوا الإيمان الكامل ، ولم يصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية وطمأنينة وثقة تامة بالله عزوجل ، وأمرهم بأن يقولوا : انقدنا لك يا رسول الله واستسلمنا ، وسالمناك فلا نحاربك. وأعلمهم بأنه لن يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد ، بل كان مجرد قول باللسان ، دون اعتقاد صحيح ولا نية خالصة ، لذا جاء النفي ب (لَمَّا) حرف الجزم الدال على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار. وقوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي ، بل متصلا بزمان الإخبار أيضا.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٤٨