بالقرآن الكريم كثير الخير والبركة ، أو الرفيع القدر والشرف ، أنك يا محمد جئتهم منذرا بالبعث. دلّ على جواب القسم المذكور مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النّبوة ، وإثبات المعاد ، وهذا كثير في القرآن ، مثل : (ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ).
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ، فَقالَ الْكافِرُونَ : هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي عجب كفار قريش ، لأن جاءهم منذر ، هو واحد منهم أي من جنسهم ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلم يكتفوا بمجرد الشّك والرّد ، بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة ، فقالوا : كون هذا الرسول المنذر بشرا مثلنا شيء يدعو إلى العجب ، وهو كقوله جلّ جلاله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) [يونس ١٠ / ٢] ، أي وليس هذا بعجيب ، فإن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس.
وتعجبوا أيضا من البعث فقالوا كما حكى القرآن :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً؟ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي أنبعث ونرجع أحياء إذا متنا وتفرقت أجزاؤنا في الأرض وبلينا وصرنا ترابا ، كيف يمكن الرجوع بعدئذ إلى هذه البنية والتركيب؟ إن ذلك البعث والرجوع بعيد الوقوع عن العقول ، لأنه غير ممكن في زعمهم ، وغير مألوف عادة.
فردّ الله تعالى عليهم مبيّنا قدرته على البعث وغيره ، فقال :
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ، وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) أي علمنا علما يقينيّا ما تأكل الأرض من أجسادهم حال البلى ، ولا يخفى علينا شيء من ذلك ، فإنا ندري أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أي شيء صارت؟ وعندنا كتاب حافظ شامل لعددهم وأسمائهم وتفاصيل الأشياء كلها ، وهو اللوح المحفوظ