بني ناجية من قريش ، وفتحت الصحابة بلاد فارس والروم ، فسبوا من استدلوا عليه.
وأما الاستدلال بالآية : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) على جواز قتل الأسير فغير سديد ، لأن الآية واضحة في القتل قبل الأسر ، وأما بعد الإثخان وهو الإضعاف ، فإن المحارب يقع في الأسر ، وحكم ذلك مختلف عما قبل الأسر. وقد فهم بعضهم من الآية جواز الاسترقاق ، وذلك من الأمر بشدّ الوثاق ، ويبقى بعده حالان ، هما : المنّ والفداء.
قال ابن عباس في قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) : ذلك يوم بدر ، والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ، وَإِمَّا فِداءً) فجعل الله النّبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار : إن شاؤوا قتلوهم ، وإن شاؤوا استعبدوهم ، وإن شاؤوا فادوهم (١). أي يفعل الإمام ما يراه مصلحة حربية.
٢ ـ هل الآية : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) محكمة أو منسوخة؟ قال أبو حنيفة عملا بقول السّدّي : هي منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ٩ / ٦] فلا يفادى الأسير بالمال ، ولا يباع السبي لأهل الحرب ، فيرجعون حربا علينا ، ولا يفادون بأسرى المسلمين ، ولا يمنّ على الأسرى ، حتى لا يعودوا حربا على المسلمين. وقال أبو يوسف ومحمد : لا بأس أن يفادى أسرى المؤمنين بأسرى المشركين ، وهو قول الثوري والأوزاعي.
وأجاز الجمهور المنّ والفداء بأسرى المسلمين وبالمال للآية : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) فقد أجازت الآية الفداء مطلقا من غير تقييد ، وفادى النّبي صلىاللهعليهوسلم أسرى بدر بالمال ، وروى ابن المبارك عن عمران بن حصين قال : أسرت ثقيف
__________________
(١) الجصاص : ٣ / ٣٩٠