والخلاصة : لم يأخذ الفقهاء بمقتضى الحصر المفهوم من الآية : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) وقالوا إن حال المقاتلين بعد الأسر غير منحصر في الأمرين ، بل يجوز القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ، لأن المذكور في الآية إرشاد ، لأن الظاهر في المثخن الازمان أي الإنهاء أو الإضعاف ، والقتل مذكور في قوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ).
٣ ـ الجهاد طريق للامتحان والاختبار ، ليعرف الصادق الصابر ، والمضحي المجاهد في سبيل الله ، وإن كان الله منزّها عن الاستعانة بأحد ، وقادرا على البطش بالأعداء وإهلاكهم بوسائل مختلفة غير القتال ، أو تسليط الملائكة أو أضعف خلقه ، فالله يمتحن المؤمنين بالكافرين ، هل يجاهدون في سبيله حقّ الجهاد أم لا؟ ويبتلي الكافرين بالمؤمنين ، هل يذعنون للحقّ أم لا؟ إلزاما للحجة. ومعنى الابتلاء من الله سبحانه كما تقدم مرارا أنه مجاز ، أي يعاملهم معاملة المختبر أو ليظهر الأمر لغيره من الملائكة أو الثقلين.
٤ ـ القتلى في سبيل الله أو الشهداء لا تضيع أعمالهم ، ويهديهم ربّهم إلى إدراك السعادة في الدنيا والآخرة وإلى الثواب ويثبتهم على الهداية ، ويرشدهم إلى طريق الجنة من غير بحث ولا حيرة ولا توقف بعد خروجهم من قبورهم ، ويصلح حالهم وشأنهم ومعاشهم في مستقبل الأمر في العقبى والمعاد أو في الدنيا ، ويدخلهم الجنة التي بيّنها لهم حتى عرفوها من غير استدلال ، وطيّبها لهم بأنواع الملاذّ.
٥ ـ النصر مشروط بنصرة دين الله تعالى وتطبيق شرعه والتزام أوامره واجتناب نواهيه ، لذا كرر الله تعالى هذا المعنى في آيات كثيرة قائلا : إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ، ويثبّت قلوبكم بالأمن والنصر والمعونة في موطن الحرب.