(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) أي إنا سلّطنا عليهم (١) ريحا شديدة البرد والصوت في يوم شؤم عليهم ، دائم الشؤم حتى أهلكهم ودمرهم ، لأنه اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي ، أما ذات اليوم بمجرده فلا يصح وصفه بالنحس أو الشؤم ، وإنما الأيام والليالي كلها سواء ، لذا كان التشاؤم بالعدد (١٣) غير صحيح شرعا ودينا.
ونظير الآية : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) [فصلت ٤١ / ١٦] وقوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة ٦٩ / ٧] أي متتابعة.
(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي إن تلك الريح الصرصر كانت تقتلعهم من الأرض اقتلاع النخلة من أصلها ، قال مجاهد : كانت تقلعهم من الأرض ، فترمي بهم على رؤوسهم ، فتدقّ أعناقهم ، وتبين رؤوسهم من أجسادهم.
والمعنى أنهم كانوا يتساقطون على الأرض أمواتا ، وهم جثث طوال عظام ، كأنهم أعجاز نخل وهي أصولها فلا فروع ، (مُنْقَعِرٍ) : منقلع عن مغارسه. وقد شبهوا في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح. وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس.
والآية تومئ إلى أن الريح كانت تقتلع رؤوسهم ، فتصبح الأجسام من غير رؤوس ولا هامات ، وتشير أيضا إلى عظمة أجسادهم وطول قاماتهم ، وإلى محاولتهم الثبات في الأرض والتشبث بها لمقاومة الريح ، كما تشير أيضا إلى يبسهم وجفافهم بالريح التي كانت تقتلهم ببردها المفرط ، فتجعلهم كأنهم أخشاب يابسة.
__________________
(١) هذه الجملة استئنافية ، لبيان ما أجمل أولا في قوله : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ.