المناسبة :
بعد أن بيّن الله تعالى أن كل ما في الآخرة من مغفرة وجنة من فضله ورحمته ، أراد أن يبين أن كل ما في الدنيا من مصائب وأحداث بقضائه وقدره ، لتهوين أمر المصيبة على المؤمنين.
ثم حذر الله تعالى من الحزن على ما فات من نعيم الدنيا ، والبطر والاختيال والمباهاة عند مجيء النعمة ، ثم أخبر أنه يعاقب المختالين الفخورين الذين يبخلون بما يجب عليهم شرعا ، بل ويأمرون الناس بالبخل ، وهؤلاء لا يجنون إلا على أنفسهم.
التفسير والبيان :
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أي لا توجد مصيبة من هذه المصائب في الدنيا إلا وهي مكتوبة عند الله ، فهي بقضاء وقدر ، سواء أكانت مصيبة في الأرض مثل القحط والجدب أو قلة النبات ، وفساد الزرع ، ونقص الثمار ، وغلاء الأسعار ، وتتابع الجوع ، أم في الأنفس كالأمراض ، والفقر وضيق المعاش ، وذهاب الأولاد ، وإقامة الحدود ، فذلك كله مسطّر في اللوح المحفوظ ، من قبل إيجاد هذه الخليقة.
وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) الأحسن عود الضمير على الخليقة والبرية أو النسمة ، لدلالة الكلام عليها ، كما قال ابن جرير.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي إن إثباتها في الكتاب ، مع كثرتها ، وعلمه بالأشياء قبل وجودها ، سهل يسير على الله ، غير عسير ، لأن الله هو الخالق ، وهو أعلم بما خلق ، يعلم ما كان وما سيكون وما لا يكون. ورد في الخبر : (من عرف سر الله في القدر ، هانت عليه المصائب). وقد استدل العلماء بهذه الآية على أنه تعالى عالم بالأشياء قبل وقوعها.