(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً ، وَهُوَ حَسِيرٌ) أي ثم ردد البصر ودقق مرة بعد مرة مهما تكاثرت المرات ، يرجع إليك البصر صاغرا ذليلا عن رؤية شيء من الخلل أو العيب في خلق السماء ، وهو كليل عيي من كثرة التأمل ومعاودة النظر. ومعنى الآية بعبارة أخرى : إنك أيها الإنسان المخاطب لو كررت البصر مهما كررت ، لانقلب إليك أو رجع إليك البصر ذليلا عن أن يرى عيبا أو خللا.
والمراد بقوله : (كَرَّتَيْنِ) تكثير النظر لمعرفة الخلل.
٣ ـ (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) أي ولقد زيّنا أقرب السموات إلى الناس بكواكب ثوابت وسيارات ، فصارت في أحسن خلق وأبهج شكل ، وسميت الكواكب مصابيح ؛ لأنها تضيء كإضاءة السراج ، وجعلنا تلك الكواكب بما ينقضّ منها من الشهب أو من دونها راجمات يرجم بها الشياطين ، وأعددنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب النار المستعرة الموقدة بسبب فسادهم وإفسادهم.
ورجم الشياطين يعدّ فائدة أخرى للكواكب ، غير كونها زينة للسماء الدنيا ، كما قال تعالى : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل ١٦ / ١٦].
قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة السماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البرّ والبحر ، فمن تأول فيها غير ذلك ، فقد قال برأيه وتكلف ما لا علم له به.
ونظير الآية قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ ، وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ، وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ ، دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ ، إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات ٣٧ / ٦ ـ ١٠].