(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ، وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ، وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) أي إن الله يعلم أنك أيها الرسول تقوم ممتثلا أمر ربك أقلّ من ثلثي الليل أحيانا ، أو تقوم نصفه أو ثلثه ، وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك ، والله سيجازيكم على ذلك أحسن الجزاء.
(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ، عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي يعلم الله مقادير الليل والنهار حقيقة ، ويعلم القدر الذي تقومونه من الليل ، ولكن الله علم أنكم لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيام به ، ولن تتمكنوا ضبط مقادير الليل والنهار ولا إحصاء الساعات ، أو علم الله أنكم لن تطيقوا قيام الليل أو الفرض الذي أوجبه عليكم ، فعاد عليكم بالعفو والترخيص في ترك القيام إذ عجزتم ، ورجع بكم من العسر إلى اليسر. وأصل التوبة : الرجوع.
قال مقاتل : لما نزلت (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) شقّ ذلك عليهم ، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه ، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ ، فانتفخت أقدامهم ، وامتقعت ألوانهم ، فرحمهمالله وخفف عنهم ، فقال تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) (١). والمراد بقوله : (لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تطيقوه : لصعوبة الأمر ، لا أنهم لا يقدرون عليه.
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي صلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل ، فالمراد بالقراءة الصلاة ، من إطلاق الجزء وإرادة الكل ، كما تقدم بيانه.
وهذه الآية نسخت قيام الليل ، ويؤكده الحديث الصحيح عند مسلم والنسائي والترمذي واللفظ له عن أنس بن مالك الذي فيه قال السائل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل عليّ غيرها؟ يعني الصلوات الخمس ، فقال : «لا ، إلا أن تطوّع» فهو يدل على عدم وجوب غير تلك الصلوات المفروضة ، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته عن الأمة.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٩ / ٥٣