ثم ذكر الله تعالى أسباب التخفيف وأعذاره أو حكمته قائلا :
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي علم الله عزوجل بطروء أعذار ثلاثة هي المرض والسفر والجهاد ، فقد يكون منكم مرضى لا يطيقون قيام الليل ، وآخرون يسافرون في الأرض للتجارة والربح ، يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم ، فلا يطيقون قيام الليل ، وقوم آخرون هم المجاهدون في سبيل الله لا يطيقون قيام الليل ، فوجود هذه الأعذار المقتضية للترخيص سبب لرفع فرضية التهجد عن جميع الأمة.
ثم ذكر الحكم الدائم بعد الترخيص ، فقال تعالى :
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي فصلوا ما تيسر واقرؤوا ما تيسر من القرآن ، وقد أعيد الأمر هنا لتأكيد الرخصة وتقريرها ، وأدوا الصلاة المفروضة قائمة بفروضها وأركانها وشرائطها واحتضار الخشوع فيها دون غفلة عنها ، وآتوا الزكاة الواجبة في الأموال ، وأنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقا حسنا على الأهل وفي الجهاد وعلى المحتاجين ، كما قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة ٢ / ٢٤٥].
ثم أكّد الطلب على الصدقة ورغّب فيها ، فقال :
(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) أي وجميع ما تقدموه من الخير المذكور وغير المذكور ، فثوابه حاصل لكم ، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا ، ومما تؤخرونه إلى عند الموت ، أو توصون به ليخرج من التركة بعد موتكم.