فذلك مناف للعدل الإلهي ، ولحكمة التشريع الذي جاء بالتكليف ، وإنما لإرادة المكلف واختياره دور أساسي في الاستجابة للتكليف ، ولاستحقاق المؤاخذة والثواب ، ولا يقع شيء قهرا عن الله ، وإنما بمراده ، فإن خالف العبد عصى المأمور به ، والمحبوب لربه ، ولم يخرج عن مشيئة الله ، فالله قهر الأشياء كلها ، ولكنه أرخى الزمام في أشياء لاختيار الإنسان.
ثم أكد تعالى أن له في هذا العدد حكمة اختص هو بمعرفتها ، فقال :
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أي إن خزنة النار ، وإن كانوا تسعة عشر ، فلهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه.
وهذا رد على المشركين الذين استقلوا ذلك العدد ، ملخصه : هبوا أن هؤلاء تسعة عشر ، إلا أن لكل واحد من الأعوان والجنود ما لا يحصيهم إلا الله ، فلا يعلم جنود الله إلا هو لفرط كثرتهم ، ولا يعسر عليه تتميم الخزنة إلى عشرين وأزيد ، ولكن له في هذا العدد حكمة اختص هو بمعرفتها.
(وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) أي وما سقر وصفتها ، وما ذكر عدد خزنتها إلا تذكرة وموعظة للناس ، ليعلموا كمال قدرة الله ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار.
ثم وجّه الله تعالى تحذيرا لمن أنكر جهنم ، فقال :
(كَلَّا ، وَالْقَمَرِ ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ، إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ، نَذِيراً لِلْبَشَرِ) أي أوجه تحذيرا رادعا لكم أيها الناس ، فلا سبيل لإنكار وجود النار في الآخرة ، وأقسم بالقمر المتلألئ ، وبالليل إذا مضى وولى ذاهبا ، وبالصبح إذا ظهر وتبين وأضاء ، إن سقر (جهنم) لإحدى الدواهي العظام والبلايا الكبار ؛ لإنذار البشر وتخويفهم من عقاب الله على العصيان.