(فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ، ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) أي وهم في جنات يتنعمون ، ويسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين ، في النيران ، قائلين لهم : ما الذي أدخلكم في جهنم؟ والمقصود من السؤال زيادة التوبيخ والتخجيل.
فأجابوا بأن هذا العذاب لأمور أربعة :
(قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي لم نكن في الدنيا نؤدي الصلاة المفروضة ، فلم نعبد ربنا مع المؤمنين الذين يصلون ، ولم نحسن إلى خلقه من جنسنا ، فلم نطعم الفقير المحتاج ما يجب إعطاؤه ، وكنا نخالط أهل الباطل في باطلهم ، كلما غوى غاو غوينا معه ، أو نتكلم فيما لا نعلم ، أو نخوض مع الخائضين في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو قولهم : كاذب ، مجنون ، ساحر ، شاعر ، وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة ، حتى أتانا الموت ومقدماته ، فاليقين : الموت ، كما في قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر ١٥ / ٩٩].
فهذه أسباب أربعة لازمتنا طوال حياتنا الدنيوية : ترك الصلاة ، والزكاة ، والخوض في باطل الكلام ، وإنكار يوم البعث والحساب والجزاء. وفي ترك الأمرين الأوليين دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي فمن كان متصفا بمثل هذه الصفات ، فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه ، والمعنى : لا شفاعة لهم من أحد من الملائكة والأنبياء والصالحين ؛ لأن مصيرهم إلى النار حتما.
(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي ما الذي حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن المشتمل على التذكرة الكبرى ، والموعظة العظمى؟ أو فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك في مكة معرضون عما تدعوهم إليه ، وتذكّرهم به؟ كأنهم في نفورهم عن الحق وإعراضهم عنه من