حمر الوحش إذا فرت من رماة يرمونها ، أو من أسد يريد افتراسها.
فالقسورة : إما جماعة الرماة الذين يتصيدونها ، أو الأسد ، وهو رأي جمهور اللغويين ، سمي بذلك لأنه يقهر السباع ، قال ابن عباس : الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركون ، إذا رأوا محمدا صلىاللهعليهوسلم ، هربوا منه ، كما يهرب الحمار من الأسد. وهذا التشبيه في غاية التقبيح والتهجين لحالهم ، وإعلامهم بأنهم قوم بله.
والآية دليل على أن إعراضهم عن الحق والإيمان بغير سبب ظاهر مقنع ، ولا استعداد للتفاهم والاقتناع ، ففي تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة ، ونداء عليهم بالبلادة والغباوة ، وعدم التأثر من مواعظ القرآن ، بل صار ما هو سبب لاطمئنان القلوب موجبا لنفرتهم (١).
ثم أتى بصورة من عنادهم ، فقال تعالى :
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب ، كما أنزل الله على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهم قد بلغوا من العناد حدا تجاوزوا به أقدارهم ، كما جاء في آية أخرى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام ٦ / ١٢٤]. وقال تعالى أيضا واصفا مطلبهم : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء ١٧ / ٩٣].
قال المفسرون : إن كفار قريش قالوا لمحمد صلىاللهعليهوسلم : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله : أنك رسول الله. وكل هذا ونحوه مما حكة وتعنت ومكابرة ، فهم لن يؤمنوا ، كما قال تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي
__________________
(١) غرائب القرآن للنيسابوري : ٢٨ / ١٠٠