تقليب الحدقة كالسبب للرؤية ، ولا تعلق بينه وبين الانتظار ، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار.
ثم أجاب عن قولهم : النظر جاء بمعنى الانتظار بأن هذا كثير في القرآن ، ولكنه لم يقرن البتة بحرف (إلى) كقوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد ٥٧ / ١٣] وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [الأعراف ٧ / ٥٣] وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) [البقرة ٢ / ٢١٠]. وإذا فرضنا أن النظر المعدّى بحرف (إلى) جاء في اللغة بمعنى الانتظار ، لكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه ؛ لأن لذة الانتظار مع يقين الوقوع ، كانت حاصلة في الدنيا ، فلا بد وأن يحصل في الآخرة شيء أزيد منه ، حتى يحسن ذكره ، في معرض الترغيب في الآخرة (١). وقال النيسابوري : وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعنى الرؤية فهو المطلوب ، وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي ، فهذا في حقه تعالى محال ؛ لأنه منزه عن الجهة والمكان ، فوجب حمله على مسببه وهو الرؤية ، وهذا مجاز مشهور (٢).
وأيدت الأحاديث المتواترة ما فهمه الجمهور من دلالة الآية على رؤية الله تعالى ، فقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عزوجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها كما قال ابن كثير ، ثم أورد الأحاديث وقال : وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ، وهداة الأنام (٣).
وكذلك قال الشوكاني في تفسيره العظيم (فتح القدير) بعد أن فسر آية (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) بقوله : أي إلى خالقها ، ومالك أمرها ، ناظرة ، أي تنظر
__________________
(١) التفسير الكبير للرازي : ٣٠ / ٢٢٦ ـ ٢٢٩
(٢) غرائب القرآن : ٢٨ / ١١١
(٣) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٥٠