تعجلون في كل شيء ، ومن ثم تحبون العاجلة ، وتذرون الآخرة (١).
ثم أبان الله تعالى حال المؤمنين وحال الكافرين في الآخرة ، فقال :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) أي وجوه المؤمنين في الجنة حسنة بهية مشرقة مسرورة ، ترى ربها عيانا ، ووجوه الفجار في النار عابسة كالحة كئيبة ، توقن أن سينزل بها داهية عظيمة تكسر فقار الظهر. قال الأزهري عن مجاهد الذي فسر النظر بالانتظار : قد أخطأ مجاهد ؛ لأنه لا يقال : نظر إلى كذا بمعنى انتظر ، فإن قول القائل : نظرت إلى فلان ، ليس إلا رؤية عين ، فإذا أرادوا الانتظار ، قالوا : نظرته ، وأشعار العرب وكلماتهم في هذا كثيرة جدا.
قال الزمخشري في قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) : تنظر إلى ربها خاصة ، لا تنظر إلى غيره ، وهذا معنى تقديم المفعول ، فإنه يدل على معنى الاختصاص ، ثم رجح أن الآية تفيد معنى التوقع والرجاء (٢).
وهذا منه بسبب كونه من المعتزلة الذين يقولون : لا يدل ظاهر الآية على رؤية الله تعالى ؛ لأن النظر المقرون بحرف (إلى) ليس اسما للرؤية ، بل لمقدمة الرؤية ، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي ، التماسا لرؤيته ، فيكون نظر العين مقدمة للرؤية ، وتأولوا قوله تعالى : (ناظِرَةٌ) بمعنى أن أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله.
وأجاب الرازي بأننا نسلم أن النظر عبارة عن تقليب الحدقة .. إلخ لكنا نقول : لما تعذر حمله على حقيقته ، وجب حمله على مسببه وهو الرؤية ، إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار ؛ لأن
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤
(٢) المرجع السابق : ص ٢٩٤