إن علينا جمعه في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء ، وعلينا إثبات قراءته في لسانك على الوجه القويم.
فإذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل ، فاستمع له وأنصت ، ثم اقرأه كما أقرأك ، وكرره حتى يرسخ في ذهنك.
ثم إننا بعد حفظه وتلاوته نفسر لك ما فيه من الحلال والحرام ، ونبين ونوضح لك ما أشكل منه ، ونلهمك معناه كما أردنا وشرعنا.
وهكذا اشتملت الآيات الأربع على أحوال ثلاث : هي جمعه في صدره ، وحفظه ، في الآية الأولى والثانية ، وتلاوته وتيسير أدائه كما أنزل ، في الآية الثالثة ، وتفسيره وبيانه وإيضاح معناه في الآية الرابعة.
ثم انتقل البيان إلى حال الإنسان السابق المنكر البعث ، فوبخه وقرعه على إنكاره البعث ، فقال تعالى مبينا سبب الإنكار :
(كَلَّا ، بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أي أردعكم عما تقولون أيها المشركون من إنكار البعث ، فإنه يحملكم على التكذيب بيوم القيامة ، ومخالفة ما أنزله الله عزوجل على رسوله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم ، محبتكم واهتمامكم بدار الدنيا العاجلة ، وتشاغلكم عن الآخرة وترككم العمل لها. ولفظ (كَلَّا) عند سائر المفسرين : معناه حقا ، أي حقا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ، والمعنى أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها ، ويتركون الآخرة ويعرضون عنها.
وقال الزمخشري : كلا : ردع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عن عادة العجلة ، وإنكار لها عليه ، وحث على الأناة والتؤدة ، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) كأنه قال : بل أنتم يا بني آدم ؛ لأنكم خلقتم من عجل ، وطبعتم عليه ،