إله في السماء وفي الأرض ، كما قال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف ٤٣ / ٨٤].
وقد احتج المشبّهة على إثبات المكان لله تعالى بقوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) وأجابهم الرازي بأن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين ؛ لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب ، فيكون أصغر من السماء ، والسماء أصغر من العرش بكثير ، فيلزم أن يكون الله تعالى شيئا أصغر من العرش ، وذلك محال باتفاق أهل الإسلام ؛ لأن العرش أكبر المخلوقات في السماء والأرض. ولأنه تعالى قال: (قُلْ : لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ : لِلَّهِ) [الأنعام ٦ / ١٢] فوجب صرف الآية عن ظاهرها إلى التأويل. وللتأويل وجوه أولاها : تقدير الآية : أأمنتم من في السماء سلطانه وملكه وقدرته ، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته ، كما قال : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام ٦ / ٣] فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين (١).
٢ ـ إن الله تعالى هو الذي أنعم على عباده بتذليل الأرض ، وجعلها سهلة للاستقرار عليها ، وامتن عليهم ، فأباح لهم السير في نواحيها وأقطارها وآكامها وجبالها بحثا عن الرزق وللاتجار والتكسب ، وأذن لهم بالأكل مما أحله لهم ، ثم هم في النهاية مرجعهم إلى الله ، فإن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولا ، قادر على أن يبعثهم وينشرهم من قبورهم أحياء.
٣ ـ إن الله عزوجل هو القادر أيضا على تعذيب الكفار بإرسال حجارة من السماء ، كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل ، وحين وقوع العذاب يعلمون كيف إنذار الله بالعذاب أنه حق.
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٠ / ٧٠