خلقناهم ، وأحكمنا أعضاءهم ومفاصلهم وربطها بالعروق والأعصاب ، ولو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم.
ونظير الآية قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ، وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) [النساء ٤ / ١٣٣] ، وقوله سبحانه : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ، وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) [إبراهيم ١٤ / ١٩].
وبعد بيان أحوال السعداء وأحوال الأشقياء في الدنيا ، أرشد إلى فائدة القرآن فقال :
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي إن هذه السورة بما فيها من مواعظ ، وترغيب وترهيب ، ووعد ووعيد ، تذكرة للمتأملين ، وتبصرة للمستبصرين ، وعظة للعقلاء ، فمن شاء الخير لنفسه في الدنيا والآخرة ، اتّخذ طريقا للتقرب إلى ربّه بالإيمان والطاعة ، واجتناب المعصية ، ومن شاء اهتدى بالقرآن.
ثم أوضح الله تعالى أن مشيئة العبد في إطار مشيئة الله ، ولكن دون قهر ولا جبر ، فقال :
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي وما تشاؤون أن تتخذوا إلى الله سبيلا إلى النجاة ، إلا بمشيئة الله ، ولا يقدر أحد أن يهدي نفسه ، ولا يدخل في الإيمان ، ولا يجر لنفسه نفعا إلا بتوفيق الله ، فالأمر إليه سبحانه ، ليس إلى عباده ، والخير والشر بيده ، فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير ولا تدفع شرا ، إلا إن أذن الله بذلك ، ولكن يثاب الإنسان على اختياره الخير ، ويعاقب على اختياره الشر ، وإن الله تعالى عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ، ويقيّض له أسبابها ، وعليم بمن يستحق الغواية ، فيصرفه عن الهدى ، وله الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة ، فيضع الأشياء في محالّها.