(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ ، وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) أي داوم على ذكر الله في جميع الأوقات بالقلب واللسان ، وصلّ لربّك أول النهار وآخره ، فأول النهار : صلاة الصبح ، وآخره : صلاة العصر. وكذلك صلّ لربّك في الليل ، وذلك يشمل صلاتي المغرب والعشاء ، وتهجد له طائفة من الليل ، كما قال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء ١٧ / ٧٩] ، وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل ٧٣ / ١ ـ ٤].
وعلى هذا تكون كلمات الآية جامعة الصلوات الخمس ، والتهجد. وبعد بيان حال الطائعين ، أبان الله تعالى أحوال الكفار والمتمردين ، وأنكر عليهم وعلى أشباههم حبّ الدنيا والإقبال عليها ، وترك الآخرة وراء ظهورهم ، فقال :
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) أي إن هؤلاء كفار مكة وأمثالهم يحبون الدار العاجلة ، وهي دار الدنيا ، ويقبلون على لذاتها وشهواتها ، ويتركون وراءهم ظهريا يوم القيامة ذا الشدائد والأهوال ، فلا يستعدون له ، ولا يعبؤون به. وسمي يوما ثقيلا : لما فيه من الشدائد والأهوال. والآية تتضمن توبيخ المتمردين واستحقارهم.
وهذا هو الخط الفاصل بين المؤمنين والكافرين ، فالمؤمنون يعملون للدنيا والآخرة ، والكفار يعملون للدنيا وحدها ، وهي النظرة المادية والسلوك المادي النفع ، مما يدل على أن الداعي لهم إلى الكفر هو حبّ العاجل.
ثم أوضح الله تعالى كمال قدرته ، وأقام الدليل بالبداءة في الخلق على الرجعة والبعث ، فقال : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ، وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) أي كيف يتغافل هؤلاء الكفار عن ربّهم وعن الآخرة ، ونحن الذين