(إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) جواب القسم ، أي إن الذي توعدون به يا كفار مكة وأشباهكم من مجيء القيامة والبعث والعذاب كائن لا محالة. (طُمِسَتْ) محقت وذهب نورها. (فُرِجَتْ) شقت وصدعت. (أُقِّتَتْ) جمعت لوقت ، وعين لها وقت تحضر فيه للشهادة على الأمم بالتبليغ ، قال الزمخشري : والوجه أن يكون معنى (وقتت) بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة. (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ؟) أي يقال : لأي يوم أخّرت وأمهلت للشهادة على الأمم بالتبليغ ، وهذا القول تعظيم لليوم ، وتعجيب من هوله. (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بيان ليوم التأجيل ، وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق بأعمالهم : إما إلى الجنة ، وإما إلى النار. (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) تهويل لشأنه ، والمعنى : ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله؟ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بذلك ، وهذا وعيد لهم ، والويل : العذاب والخزي. وويل في الأصل : مصدر منصوب بإضمار فعل ، عدل به إلى الرفع ، للدلالة على ثبات الهلاك للمدعو عليه ، و (يَوْمَئِذٍ) ظرفه ، أو صفته.
التفسير والبيان :
(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ، فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ، وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) أي أقسم بالرياح المتتابعة كعرف الفرس إذا ذهبت شيئا فشيئا ، وبالرياح التي ترسل عاصفة لما أمرت به من نعمة ونقمة ، وبالرياح التي تنشر السحاب وتفرقه في آفاق السماء كما يشاء الرب عزوجل. وهذا هو الأظهر كما قال ابن كثير وابن جزي صاحب التسهيل لعلوم التنزيل ، وقال القرطبي : جمهور المفسرين على أن المرسلات : الرياح.
وقيل : المقصود بالمرسلات : الملائكة المرسلة بوحي الله وأمره ونهيه بالإحسان والمعروف ، والعاصفات : الملائكة الموكلون بالرياح يعصفون بها ، والناشرات : الملائكة الموكلون بالسحب ينشرونها أو ينشرون أجنحتهم في الجوّ عند النزول بالوحي. وقيل : المراد بهؤلاء وما يأتي : طوائف الأنبياء أرسلوا بالوحي المحقق لكل خير ، الذي أخذ أمرهم في العصوف والاشتداد إلى أن بلغ غايته ، وانتشرت دعوتهم ، ففرقوا بين المؤمن والكافر ، والمقر والجاحد ، وألقوا الذكر والتوحيد إلى الناس كافة ، أو إلى طائفة معينين.