وكانت عادة القرآن تقديم قصة عاد على ثمود ، إلا أنه قلب هاهنا ؛ لأن قصة ثمود بنيت على غاية الاختصار ، ومن عادتهم تقديم ما هو أخصر.
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى ، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ، فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)؟ أي فتشاهد إن كنت حاضرا أولئك القوم في ديارهم أو في تلك الأيام والليالي مصروعين بالأرض موتى ، كأنهم أصول نخل ساقطة أو بالية ، لم يبق منهم أحد ، فهل تحس منهم من أحد من بقاياهم؟ بل بادوا عن آخرهم ، ولم يجعل الله لهم خلفا ، كما جاء في قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [الأحقاف ٤٦ / ٢٥].
وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور».
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) أي وأتى الطاغية فرعون ومن تقدمه من الأمم الكافرة وأهل المنقلبات قرى قوم لوط بالفعلة الخاطئة ، وهي الشرك والمعاصي.
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ ، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي فعصت كل أمة رسولها المرسل إليها ، فأهلكهم الله ودمّرهم ، وأخذهم أخذة أليمة شديدة زائدة على عقوبات سائر الكفار والأمم.
ونظير مطلع الآية قوله تعالى : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ ، فَحَقَّ عِقابِ) [ص ٣٨ / ١٤] وقوله سبحانه : (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ ، فَحَقَّ وَعِيدِ) [ق ٥٠ / ١٤] ومن كذب برسول فقد كذّب الجميع ، كما قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٠٥] (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٢٣] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٤١] (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٦٠].