وعلى مرور الوقت ، أصبح أبو ذر يظهر للقراء على شاشة العرض شخصية محدودة بحدود ضيقة جداً ، تجعله متعبدا غيورا على الاسلام ، جريئاً على الحكام ، جرأة تنسيه قوله تعالى : ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ .
هذا ، مع ان أبا ذر ، أحد أركان الاسلام في مهده ، وهو أول من شهر السيف في وجه المشركين ، حين كان يقطع الطريق على قوافل قريش ، فينفِّر بهم ، فكانت الإبل تلقي أحمالها ، فلا يدعهم يأخذون منها شيئا حتى يسلموا . وهو أيضا ـ أحد معتمدي النبي ( ص ) ، وأحد عظماء الصحابة ، وهو من حواريي رسول الله ( ص ) وحواريي أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وليس من المنطق أن يمر في مخيلة أي انسان عاقل ، أن محمداً ( ص ) وعلياً ( ع ) ، وهما من عظماء البشر ، رفعا أبا ذر الذي تُصوِّره كتب الذين كتبوا عنه .
وستراه في الكتاب الذي بين يديك انسانا آخر يرتفع عن عظماء الصحابة بالشجاعة ، والعلم والعمل ، وقوة الارادة والزهد ، والاخلاص ، والصبر ، والتحمل . ولو فسح لي الوقت مجالا لأوجزت ما أعرفه عنه ، وهو بعض ما استطعنا أن نصل اليه أثناء مطالعاتنا ، ولو تم لي ذلك ، لأريتك أبا ذر انساناً يسير في ركب الأنبياء ، يتمتع بكياسة وقوة ، وعزة ، وجرأة ، ونزاهة .
وفق الله المؤمنين للاقتباس من أنواره وآرائه ، وحشرنا واياهم ، يوم القيامة تحت لوائه ، والسلام عليه ، وعليهم ، ورحمة الله وبركاته .