وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة . لم يحضر في خلالها غزاة بدر ولا أحد ، ولا الخندق ( كما تقول الروايات ) ، بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر ، حيث كان يفقههم في دينهم ، ويعلمهم أحكام الاسلام ، وهذا جهاد يحتاج الى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل .
وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر ، أن يعتقد بتخلفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض ارادته واختياره ، بل من المؤكد أن تخلفه عنها ، وبقاؤه في قومه إنما كان بايعاز من الرسول الكريم ( ص ) . والجهاد بالسيف مقرون مع الجهاد في اللسان ، بتعليم الناس أحكام دينهم ، وتفقيههم بها . بعد تعلمها من رسول الله ( ص ) .
قال تعالى : « وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » ٩ ـ ١٢٢ .
قضى أبو ذر ، فترة بين بني قومه ، ثم عاد ليصحب النبي ( ص ) ويأخذ عنه العلم والمعارف والحكمة .
وقد حظي من رسول الله ( ص ) بالاهتمام الكبير ، والعناية الخاصة . فقد كان رسول الله ( ص ) يبتدئه بالسؤال والكلام اذا حضر ، ويسأل عنه اذا غاب .
فعن ابي الدرداء قال : « كان النبي صلى الله عليه وآله يبتدیء أبا ذر اذا حضر ، ويتفقده اذا غاب . » ١
ويظهر من بعض الأخبار انه ( ص ) كان يمازحه ، كما كان هو يمازح
__________________
(١) الاصابة ٤ / ٦٣ والاستيعاب ص ٦٤ .