لقد دارت دروس ثلاثة مضت حول إنشاء تصورات إيمانية رصينة هي محطات أصيلة في خط هذه السورة الطويلة ، والدرس الآن ـ وقد حان حين اختتام السورة ـ يقيم قواعد صارمة للنظام الاقتصادي الإسلامي ، تتكفل التعاون والتكافل المتمثل في إنفاقات مفروضة وسواها ، زكوات وسواها ، رفضا كل الأنظمة الإفراطية والتفريطية بحق الفقراء البائسين ، رفعا لكيانهم في كل انفاق إلى مستقر عز ، جاعلا أيديهم مثلا ليد الله ، وكأن الله هو الذي يأخذ الصدقات.
فقد يراعي الله تعالى في الإنفاق على المعدمين رفعهم إلى مكانة أعلى من الواجدين ، وكأنهم هم الفقراء إليهم حيث يكسبون مرضات ربهم بما ينفقون ، دون منّ او أذى ، بل هو انفاق بكل تبجيل واحترام ، بعيدا كل البعد عن اي تخجيل واخترام.
فقد كان هناك الإنفاق قرينا بتخيل الفقر من وراءه ، ام قرينا بالنفاق ، فكان من يضن بالمال إلّا بربا ، او ينفقه كارها مرائيا ، ام يتبع ما ينفقه بمن او أذى ، او يقدم الرديء من ماله احتجازا للجيد منه ، وهذه الآيات تعالج كل بأس وبؤس وعرقلة مادية او معنوية في سبيل الإنفاق ، ولكي يجد البائس الفقير نفسه عزيزا غنيا حين ينفق عليه ويده هي العليا حين يأخذ الصدقات.
فقد يعالج القرآن نكبة الفقر ماديا ومعنويا باسلوبه الفريد في واجب الإنفاق وراجحه بصورة اديبة وسيرة ادبية فريدة ، كسرا لسورة الترف وثورته ، وجبرا لفورة الفقر وسترا لعورته ، تنديدا شديدا مديدا بالأغنياء المترفين البخلاء ، وكما نسمعه من امام المتقين على امير المؤمنين (عليه السلام): «وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه الا إدبارا والشر فيه إلا إقبالا والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا ، فهذا أو ان قويت عدته وعمت مكيدته وأمكنت فريسته