والوسع يعم العقلي والمعرفي والعملي ، فرديا أو جماعيا ، مهما كان بمقدمات مختارة قصّر فيها فخرج عن الوسع حيث الامتناع بالاختيار لا ينافي الإختيار.
و (لا يُكَلِّفُ اللهُ) كتكليف بدائي «نفسا» على أية حال (إِلَّا وُسْعَها) وأما الذي ترك التكليف الموسع ، فتضيّق بذلك ، فهو مؤاخذ بالترك الأوّل والتضيّق التالي الذي خلّفه وانتج ترك الواجب ، كمن واصل في العصيان باختياره السيء حتى ران على قلبه ما كان يكسب ثم ختم على قلبه ومات على الكفر ، فهو معاقب بذلك الكفر مهما كان تركه عسيرا أم مستحيلا ، لأنه من مخلفات ترك اليسير من التكليف حتى أبتلي بالعسير.
وأما المستضعفون (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) حيث لا يستطيعون الاهتداء وهم قاصرون ، وأما المقصرون منهم في البداية (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) إذا كان تقصيرا خفيفا طفيفا يصفح عنه عند ذي الصفح.
فلا يشترط الوسع ـ كأصل ـ إلّا في أصل التكليف ، وأما العسر أو الحرج الناتجان عن سوء الإختيار فلا يرفعان التكليف عن أصله.
(لَها ما كَسَبَتْ) في وسعها (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) في وسعها وهذه هي فردية التبعة ، ورجعة كل إنسان إلى ربه بصحيفته الخاصة به ، ف (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
ولماذا «كسبت» في الصالحات كأمر يسير ، ثم «اكتسبت» في الطالحات كأمر عسير ، معاكسة في واقع العسير واليسير ، حيث الصالحات عسيرة والطالحات يسيرة ، فهنا (مَا اكْتَسَبَتْ) كما في نظائرها :
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) (٢٤ : ١١) ـ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ)