فالأوّلان مستفادان من الأولين (إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) والمرفوع فيهما هو المؤاخذة كما في نص الآية ، لا رفع كلما يتعلق بهما من تكاليف إيجابية أو سلبية ، أو أحكام تكليفية أو وضعية.
والثالث من (وَلا تُحَمِّلْنا) وليس فقط رفع المؤاخذة ، بل هو كل تحميل أوّله تحميل التكليف ، ثم الستة الباقية من (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) فإنها كلها من الإصر ، اللهم إلّا ما فيه تقصير ولا سيما الكثير ، كالمقصر عن تعلم ما يتوجب عليه من أحكام ، والمضطر إلى محظور باختيار أو تساهل ، والحاسد إذا حسد ، أمّا ذا مما له فيه الإختيار ، اللهم إلّا ما تغلّب فيه الاضطرار.
فالجهل التجاهل ، والنسيان التناسي ، والخطأ التساهي ، والاضطرار بالاختيار ، والتحاسد التباغض وما أشبه ، كل هذه مؤاخذ عنها ومعاقب بها ، وإنما المؤاخذة المسلوبة وهي المعاقبة المعفوة هي في غير العمد والإختيار ، وكما رفع كل إصر وما لا يطاق ، حيث الشرعة الإسلامية سهلة سمحاء.
وكما رفعت المؤاخذة عما رفعت عنه أصالة ، كذلك فيما يفرضه المكلف على نفسه ناسيا أو خاطئا بنذر أو عهد أو يمين ، ومثله كل إصر وغير مطاق فكذلك الأمر ، فمن يفرض على نفسه ـ بأي فارض من الثلاثة ـ أنه إذا نسي أو أخطأ فعليه كذا وكذا ، فلا عليه أن يتركه ، أو فرض على نفسه ما يجهل خلفيته الصعبة الملتوية ، أو حاضره وغائبه ، أو هو إصر أم ما لا يطاق ، فلا عليه أن يتركه ، حيث لا ينعقد أيّ من الثلاثة في غير ما يصح فرضه عليه بأصل الشرع ، فكل عسر وحرج وإصر وما لا يطاق ، وكل جهل ونسيان وما أشبه ، مرفوع عن أمة الإسلام كما رفع الله ، محددا بحدود الكتاب والسنة.
تمت سورة البقرة بتوفيق الله الملك العلام ، اللهم وفقني لتكميل الفرقان بحق من أنزلته عليه.
__________________
ـ رسول الله (ص) : ...