بهن (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) من غيرهن وذلك ادنى ان تعولوا وتميلوا عن الحق فيهن.
فالآية كما يرام متسق النظام ، سديد الانتظام ، شديد الرباط والوئام بين شطريها لمن أمعن فيها بإتقان ، دون من لا مساس لهم بكتاب الوحي وعقليته ، ولا أساس لهم في تفسيره ، اللهم إلا استخارة وقراءة على الموتى وحياتهم بواء خلاء عن معناه ومغزاه.
ونحن نعرف كامل الرباط بين الشطرين بعد ما نعرف مدى التحرج والتهرج بين المؤمنين بالنسبة لليتامى ، بعد ما جعل الله لهم حقا في كافة الإنفاقات (٢ : ١٧٧) والأنفال (٧ : ٥٦) وفي قسمة الميراث (٤ : ٨) وفرض الإحسان إليهم مع ذوي القربي (٤ : ٣٦) والقيام بالقسط لهم (٤ : ١٢٧) وألا يقرب مالهم إلّا بالتي هي أحسن (١٧ : ٣٤) وأمر بإصلاح لهم (٢ : ٢٢٠) وإكرامهم (٨٩ : ١٧).
وهذه الأوامر المشددة المغلّظة قضيتها الانعزال التام عن اليتامى او الخلط الذي يأتي فيه خلط المال على أية حال ، وقد كان جماعة من المؤمنين يرغبون ان ينكحوا اليتيمات فسحا لمجال هضم لحقوقهن (١) وآخرون لا يرغبون خوفة عن
__________________
(١) في الدر المنثور اخرج جماعة عن عروة انه قال قلت لعائشة ما معنى قول الله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) فقالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها الا انه يريد ان ينكحها بأدنى من صداقها ثم إذا تزوج بها عاملها معاملة رديئة لعلمه بأنه ليس لها من يذب عنها ويدفع شر ذلك الزواج عنها فقال تعالى : «وان خفتم ان تظلموا اليتامى عند نكاحهن فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء» ، قالت عائشة ثم ان الناس استفتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) قالت : وقوله تعالى : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) المراد منه هذه الآية وهي قوله» (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا).