ثم (وَمَا اسْتَكانُوا) من سكن ، فالاستكانة هي طلب السكون ، تركا للدعة نتيجة الضراعة والضآلة ، فهي السكون أمام العدو ليفعل به ما يريد ، دونما حراك في العراك ، ام من الكينة وهي الحالة السيئة ، كنية سوء وخيبة ، فما طلبوا هذه الحالة لهم من عدوهم تخاذلا أمامه والتجاء اليه ، فليست من الكون ، بل هي بين السكون والكينة ولكلّ وجه ادبيا ومعنويا ، ولكن الثاني أصح ام هو الصحيح ولا سيما ادبيا (١).
ولقد حصل كل هذه الثلاث لبعض الحاضرين في أحد ، وهنا وضعفا واستكانة ، وهنا يوبّخون على هذه الوقيعة الوقيحة تحريضا لهم ان يستنوا بسنة الربيين الكثير الذين قاتلوا مع نبيين كثير :
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ١٤٧.
ذلك قولهم وهم على ما هم عليه من صامد الإيمان وثابت الاطمئنان ، استغفارا لذنوب وإسراف لا يخلو عنهما كلمهم غير من عصمه الله وهم المعصومون بعصمة الله ، ثم تثبيتا لأقدامهم في معارك الكرامة ، وانتصارا على القوم الكافرين.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ١٤٨.
(ثَوابَ الدُّنْيا) هو حسنة الدنيا حيث تناسب الآخرة ، ثم (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) هو فضل الثواب فوق عدله لأنهم محسنون ، فلا بد من الإحسان إليهم (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
__________________
(١) وجه الأول أنه في الأصل استكن ثم زيد عليه الألف ، ولكنه غير وجيه مهما صح معناه بتعمل وتكلف ، ووجه الثاني انه في الأصل استكين فبدلت الياء بالألف فصار استكان.