وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦ : ٥٤) فقد تعني «من بعده» ما عنته هنا «من قريب» ما صدق أنه قريب : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦ : ١١٩).
نصوص ثلاثة يكتب الله فيها على نفسه الرحمة التوبة ـ ويعد ـ على تائبين من عباده الخصوص ، دونما حول عنها ولا تحويل.
ولا يعني الفرض على الله ما يعنيه على المكلفين ، فانه فيهم يخلّف وجوب التوبة ، أو استحقاق الذم والعقوبة ، وفي الله يخلّف خلاف العدل تخلّفا عن الوعد ، وذلك قضية أنه هو الذي كتب على نفسه رحمة التوبة لا سواه ، حتى يكون في تركها كمن سواه.
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٨).
(يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ككل ودون إبقاء ، وهناك «السوء» بجهالة أم سواها ، مستمرين فيها دونما توبة (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) لا أنه تاب ، فلو تاب مهما كانت عند رؤية البأس فعسى الله أن يعفو عنه : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٠ : ٩٨).
فقولة التوبة والإيمان عند الموت وعند رؤية البأس لا تنفع ، اللهم إلا واقعها وقليل ما هو لهؤلاء الذين عاشوا عصاة أو كافرين (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢ : ٨١) : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي