ذلك! فقد علم الله انه ما به إليهم من حاجة ولكن أراد ان يستن به من بعده فيكون (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) كما فصلناه على ضوء آية الشورى مشبعا فلا نعيده هنا.
لقد أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشاورهم في الأمر ـ المختلف فيه ـ وهو يأتيه وحي السماء ، لأنه أطيب لنفوسهم حيث تكبر عند مشاورته ، بأنه يهتم بهم كأنهم مشاركوه في رسالته.
كما ولم يؤمر بمشاورة العابد من أمته ، بل مشاورة هؤلاء العصاة المجاهيل ، مما يبرهن على مغزى تلك المشاورة أنها فقط لصالح الأمة تدربا وتعرفا إلى هامة الأمور بإعمال العقل والتفكير ، دون صالح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا بلاغا شيّقا لرسالته حيث يعد أمته في عداد رسالته وأداتها.
ومما يبرهن على ذلك «وشاورهم» دون «تشاور وإياهم» حيث الثاني تشاور وتفاعل بين جانبين دون فضل لأحدهما على الآخر ، ولكن «شاورهم» تجعل المشاور هو البادئ ، لا لحاجة منه إليهم ـ دونهم إليه ـ حيث العقلية الكاملة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل رسالته كانت أكمل منهم كلهم كما كانوا يعترفون ، فضلا عما بعد رسالته ، بل لحاجتهم إليه أن يتدربوا في غوامض الأمور كيف يتشاوروا.
ثم (فَإِذا عَزَمْتَ) دون «عزم أكثرهم» دليل آخر على أصالته في أمر الشورى دونهم (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) الذي أوحى إليك صائب الأمر ، ولا تخف من يخالفك في الأمر ، فإن أمره في إمر وهو يفضح نفسه بخلافه على صاحب الأمر كعبد الله بن أبي سلول حيث خالفه (صلى الله عليه وآله وسلم) في عزم الخروج عن المدينة للحرب ، وانقطع بثلث الجيش عن الخروج.