فليست «لكم» لتعني «عليكم» ، إنما هي لكم اختصاصا للسلب بكم المؤمنين (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ). ويقال نصر الله وخذلانه إذ لا يخلو لعبيده من نصر وخذلان ، وليس العوان بينهما ـ دون نصر ولا خذلان ـ يناسب ساحة الربوبية الوحيدة غير الوهيدة ، التي تحلّق على كل سلب وإيجاب ، تخييرا كما في النصرة والخذلان فإنهما من مخلّفات الإيمان واللّاإيمان ، أم تسييرا كما في الأمور المسيّرة غير الميسّرة للمكلفين سلبا ولا إيجابا.
(وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) فيكلكم إلى أنفسكم وإن في طرفة عين (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد خذلانه ، ف (اللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) غير مغلوب ، إذا (وَعَلَى اللهِ) لا سواه (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ف (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ١٦١.
(وَما كانَ) هنا كأضرابها في ساير القرآن تضرب هذه السلبية إلى اعماق الماضي سلبا عن مثلث الزمان ، حيث تسلب الغلول عن الكينونة الرسالية ككل وبأحرى هذه الرسالة السامية ، فليس ـ إذا ـ سلبا للجواز وتثبيتا للحرمة فحسب ، بل هو سلب لإمكانية الغلول للنبيين.
والغلول هو تدرع الخيانة كما الغل : العداوة ، والغل هو الاغتيال : القتل ، فما كان لنبي أن يغل ولا أن يغل وله ان يغل ويقتل في سبيل الله من يغل او يغل او يغل إذ كان يستحق الغل.
فالخيانة بأية صورة من صورها وأية سيرة من سيرها مسلوبة عن النبيين ، سواء أكانت خيانة في النفس أو النفيس ، خيانة بحق الله في شرعته أم بحق عباد الله في حقوقهم ، فإن الأمانة هي من اللزامات الأولية الرئيسية للرسالة