فلعمر إلهي الحق هذا من غرائب التأويل العليل ، أن يبدل الله حكم قتل الأسرى بالفداء لمجرد استيهاب بعض المسلمين شرط ان يستشهد بعددهم لعام قابل ، تجارة بائرة بائدة تبوء بذلك الخسار العظيم.
وكيف تباع نفوس طيبة منهم بمال والله يقبله منهم بما شرط ، ونفس واحدة منهم هي أثمن وانفس من أموال الدنيا بأسرها ، ثم الهزيمة العظيمة التي خلفتها هذه المبايعة هي أخسر من خسار أنفسهم!.
كلّا (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) كما قال الله إنهم تخلفوا عن أمر رسول الله ووهنوا ، لا كما تقولوا على الله أنه أغراهم وأقرّهم بجهلهم فانهزموا.
ذلك (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : شيء النصرة بشروطها ، وشيء الهزيمة بالانهزام عن شروط النصرة ، فهناك يد القدرة الربانية تؤيد الربانيين ، كما وهي تقيّد من سواهم بما قيدوا به أنفسهم جزاء وفاقا.
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) ١٦٦.
فليست تلك الإصابة المخزية تغلبا على وعد الله ومشيئته في نصرتكم ، بل هي بإذن الله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) فالإذن هنا والصرف هناك متجاوبان في عناية مشيئة الله في ذلك الانهزام الذي سببه في الأصل (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ، وذلك حين تخلّفتم وفشلتم ، فلا سلب ولا إيجاب في الكون ـ ككل ـ إلا بإذن الله تسييرا في قسم وتخييرا في آخر ، فليست مشيئة الخير والشر بمقدماتها وأسبابها الخلقية هي الكافية في حاصل الخير والشر إلّا بإذن الله ، ولا يعني إذن الله «تسييرا» فانما هو السبب الأخير في كل فاعلية سلبية أو إيجابية قضية التوحيد في كل الآثار ، فليس بالإمكان تكوين اي كائن إلّا بإذن الله ، المشترك بين ما لا اختيار فيه للخلق وما فيه اختيار.
(فَبِإِذْنِ اللهِ) كما هو (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) «وليعلم» الله علامة النجاح