يعرج الى «عند ربه» كما وكل تحلية بحاجة الى تخلية قبلها يناسبها ، والمستشهد في سبيل الله يتخلى عن كلما يملكه في سبيل الله ، فيتحلى بالزلفى عند الله ، فطوبى له وحسن مآب.
وكما العندية في حياتهم الدنيا ذات درجات كذلك خلفيتها يوم البرزخ وبأحرى الأخرى ذات درجات (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
و «عند ربهم» هي رمز لكل مواصلة ربانية عن كل مفاصلة ، إذ انقطع الشهيد عن كل ما لديه الى الله ، فلم يبق له ولا عنده إلا سبيل الله ، فأصبح بنفسه سبيل الله :
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ١٧٠.
«فرحين» حال لهم لمثلث الأحوال (أَحْياءٌ ـ عِنْدَ رَبِّهِمْ ـ يُرْزَقُونَ) فرحين أحياء وفرحين عند ربهم وفرحين يرزقون ، أتراهم ـ بعد ـ أمواتا عن تلك الحياة ، والميت الفائت ليس يشعر حتى يفرح او يترح!.
و (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) هو انهم (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ولا فضل أفضل منه او يساويه ام يساميه ، مهما كانت «عند ربهم» درجات حسب درجات الزلفى للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فإنهم كلهم ـ على درجاتهم ـ من (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤ : ٦٩).
(وَيَسْتَبْشِرُونَ) هل تعني يبشرون؟ وصيغتها هي صيغتها؟ ثم لا دور ـ إذا ـ للباء في «بالذين ..».
الاستبشار هو طلب السرور بالبشرى ، وهو (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ)