أترى «أحياء» تعني ـ فقط ـ الحياة الآخرة؟ و «أمواتا» تحلق على كل حلقات الموت بعد الشهادة ، فلو كانوا أمواتا في البرزخ بين الحياتين لصدق أنهم أموات؟ مهما أحيوا يوم القيامة ، ثم ولا تصدق «أحياء» على الذين يحيون يوم الدين وهم أموات في البرزخ ، وانما صيغته الصالحة «بل يحيون يوم الدين» ثم الخطاب ليس لناكري الحياة يوم الدين مهما كانوا ضمنه في طليق الخطاب! فليس لناكري الحياة البرزخية من محيص ولا محيد عنها وجاه هذه الآية المصرحة بها في بنود عدة.
ذلك وبأحرى لا تعني «أحياء» حياة الذكر ولا واقع لها ولا موقع إلّا الخيال ، ثم إذا لا حياة في البرزخ فأين ـ إذا ـ ذلك الخيال ، اللهم إلّا خيالا هنا على خيال ، فكيف ـ إذا ـ (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ...)! ثم وكيف هم «فرحين ـ يستبشرون ..» أما ذا من حالات مرضية بعد الموت؟.
ويا لها من حياة الزلفى المنقطعة النظير : حياة الشهداء في سبيل الله ، أن يكونوا (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) كما المقربون والسابقون : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٧ : ٢٠٦).
ولا تعني عندية الرب مكانا ولا زمانا ، وانما هي مكانة ربانية قدر مساعيهم ودرجاتهم ، من الزلفى والمعرفة بجنب الله.
ذلك ولأنهم انقطعوا عن النفس والنفيس إلى الله ، فأصبحوا وهم ليسوا عند أنفسهم ونفائسهم ، فإنما هم عند ربهم حيث ضحوا في سبيل ربهم ، فهم ـ إذا ـ أحياء عند ربهم ، فالمتفاني في سبيل هو محسوب على ذلك السبيل ، سبيل اللهو ولا سمح الله ، او سبيل الله رزقنا الله إياه.
فالمستشهدون في سبيل الله ـ في صيغة سائغة لهم ـ هم خرجوا من عند أنفسهم فعرجوا الى معراج «عند ربهم» فما لم يخرج السالك من عند نفسه لم