و «أمواتا» هنا المسلوبة عن ساحة الشهداء بتّة ، لا تعني ـ بطبيعة الحال ـ الموت الذي بعده حياة ، بل هو موت الفوت ، حيث خيّل إلى ناكري الحياة بعد الموت ككل ، وناكري الحياة البرزخية وحياة الشهادة المتميزة فيها.
إذا ف (وَلا تَحْسَبَنَّ) تحلّق النهي عن ذلك الحسبان على كل حقوله كجواب ثان عن الشبهة المختلقة ضد القتال ، فالأول يجعل الموت بإذن الله إمرا لا بد منه ، والثاني يحول بين القتل في سبيل الله والدعايات ضده أنه فوت ، وكيف يقدم العاقل على فناء حياته قائلا : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
ليس فحسب أنهم «أحياء» كما كانوا قبل استشهادهم ، بل هم كانوا قبله في حياة بعيدة عن حضرة الربوبية خليطة بكل شقاء ثم الآن عند ربهم عندية الزلفى والكرامة المتميزة «يرزقون» رزقا من عنده ، فهي ـ إذا ـ حياة عند ربهم يرزقون عند ربهم ، بعد أن كانوا أحياء بحياة بعيدة خليطة بموات وظلمات.
__________________
ـ على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول : ألا افسحوا لنا مرتين فانا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نفسي بيده لولا قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن او لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من واجب حقهم حتى يأتوا منابر من نور عن يمين العرش فيجلسون فينظرون كيف يقضي بين الناس لا يجدون غم الموت ولا يغتمون في البرزخ ولا تفزعهم الصيحة ولا يهمهم الحساب ولا الميزان ولا الصراط ينظرون كيف يقضي بين الناس ولا يسألون شيئا إلا أعطوا ولا يشفعون في شيء ألا شفّعوا ويعطون من الجنة ما أحبوا وينزلون من الجنة حيث أحبوا.
وفي نور الثقلين ١ : ٤٠٩ في تفسير العياشي عن جابر عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : إني راغب نشط في الجهاد قال : فجاهد في سبيل الله فإنك ان تقتل كنت حيا عند الله يرزق وان مت فقد وقع أجرك على الله وان رجعت خرجت من الذنوب الى الله ، هذا تفسير (وَلا تَحْسَبَنَّ ...).