فلما ذا الخوف إذا ولماذا يحزنون (١).
وحين نتأمل في أغوار (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) نجدها تزيل عنهم كل أسى ونقصان في مثلث الزمان ، فكما أن مستقبلهم مأمون عن كل خوف ، كذلك ماضيهم مأمون عن كل حزن ، فلا يحزنون على ما فات منهم وجاه ما وجدوه ، فلهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدّعون ، نزلا من غفور رحيم.
(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ١٧١.
«يستبشرون» كما استبشروا (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) ما أنعمها وأعظمها «وفضل» على تلك النعمة ف (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ـ «و» ب (أَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) وهنا الاستبشار يعمهم والذين لم يلحقوا بهم ، طلب البشرى لأنفسهم وإياهم (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
وهنا (أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) دون خصوص الشهداء مما يعمم الحياة البرزخية السعيدة لكافة المؤمنين ، وكما الحياة البرزخية الشقية للآخرين حسب آيات
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٩٥ ـ اخرج الترمذي وحسنة وابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر عبد الله قال لقيني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا جابر ما لي أراك منكسرا؟ قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استشهد أبي وترك عيالا ودينا فقال : ألا أبشرك بما لقى الله به أباك؟ قال : بلى ، قال : ما كلم الله أحدا قط الا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحا وقال : يا عبدي تمنّ على أعطلك قال يا رب تحييني فاقتل فيك ثانية قال الرب تعالى قد سبق مني انهم لا يرجعون قال : اي رب فابلغ من ورائي فأنزل الله هذه الآية.