عن دينهم ، أو يحرجوهم فيميلوا إليهم ، فهم أشد وأنكى من المسيحيين ، وهم رؤوس كافة المشاكل ضد المسلمين وكما قال الله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ..).
ذلك ، ولا تعني (أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا) إلّا (الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) بمواصفات لهؤلاء ليس يحملها إلّا جماعة خصوص من النصارى.
فهنا (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) والقسّيس هو معرب كشيش ، عالم النصارى ، والرهبان هم المتعبدون المتزهدون علماء وسواهم ، فالعلم والزهادة في القيادة هما المؤثران الرئيسيان في صلاح الشعوب ، إضافة إلى عدم الاستكبار في تلك القيادة ، ومن ثم ، وعلى أثر هذه الثلاث : (قالُوا : ... قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) فهم :
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣):
وهؤلاء هم ـ ممن سبق ـ نصارى الحبشة حين بعث الرسول (ص) جماعة من المسلمين إلى النجاشي فلقوا إجابة لهذه الرسالة السامية دونما نكول أو خمول (١) ولم يسبق لهم مثيل في اليهود ، ولا في المشركين ،
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٠٢ ـ أخرج عن جماعة انه بعث رسول الله (ص) عمرو بن امية الضمري وكتب معه كتابا الى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله (ص) ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأرسل النجاشي الى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم امر جعفر بن أبي طالب ان يقرأ عليهم القرآن فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع وهم الذين انزل فيهم (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) ـ الى ـ (الشَّاهِدِينَ) وفيه عن سعيد بن جبير في الآية قال : هم رسل النجاشي الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه كانوا سبعين رجلا اختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه ـ