(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠) :
لا تأسف يا حامل الرسالة الأخيرة السامية على ما يستهزئ بك فيها ، فإن التأريخ الرسالة مشحون بهزءهم وسخريتهم من قبل المجاهيل المكذبين بآيات ربهم : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ..) بمختلف ألوانه وأشجانه ، وهذه تسلية للرسول (ص) وتسرية عنه مما كان يلقاه من عناد المعرضين وعنت المكذبين المستهزئين ، طمأنة لقلبه الجريح القريح إلى سنة الله في أخذ المستهزئين بالرسل والمكذبين ، وتأسية له كذلك بأن ليس بدعا في واجهة الهزء من هؤلاء الأوغاد المناكيد (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
فقد تنزل هذه الآية حينما غاظ الرسول (ص) بهزءهم (١) ، طمأنة لخاطره القديس الخطير ، وتشجيعا لذلك البشير النذير أن يستمر في دعوته صامدا ، لا هامدا ولا فشلا.
ذلك ولم يكن الله ليسكت عن هزء الرسل والسخرية من الرسالات ، (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) إصابة حالة محيطة (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو حيق الاستهزاء نفسه إذ برز بصورة عذابات الاستئصال الهازئة بهم وكما في قوم نوح : (كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (١١ : ٣٨) فقد سخرت منهم أمواج الطوفان جزاء وفاقا.
هنا (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) قد تعم إلى نفس الاستهزاء المستهزء به ،
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٥ ـ اخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال مر رسول الله (ص) فيما بلغني بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك فأنزل الله (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ...).