ذلك ، بعد ما يتأيد بما احتفت به من آيات تخاطب بني آدم ككل : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ... وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ... يا بَنِي آدَمَ) إذا فكل الأمم الرسالية الخمس مؤجلة بأجل محتوم دون تعلّق ، حيث ينقضي دورها الرسالي بأمة رسالية أخرى تليها ، ومجيء الأجل هنا هو مجيء قضاء ، لا نفسه ، حتى ينافي لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
وهنالك أجل ثالث هو أجل كل الأمم عن بكرتهم كما في يونس (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ٦١ و «كل أمة» هنا تعني كل الأمم ، ولكنه احتمال بعيد عن ساحة الدلالة القرآنية.
ثم ومجيء الأجل في هذه الآجال لا يعني هنا واقعها إذ لا معنى ـ إذا ـ لاستقدامها وقد قضيت ، بل هو مجيء تقدير الآجال فلا مؤخر لها إذا ولا مقدّم عما عجلت أم أجّلت لها من آجال ، أم إنه واقع الأجل بفارق أنه في «يستقدمون» مستحيل ذاتيا ، وفي يستأخرون وقوعيا ، فقد عني ـ إذا ـ تلحيق «يستأخرون» ب «يستقدمون» في الإحالة مهما اختلفت فيها ذاتيا وسواها ، حيث القصد هنا أصل الاستحالة لا وكيفيتها.
ذلك ، وترى كيف «لا يستأخرون» مهما هم «لا يستقدمون»؟ (لا
__________________
ـ المرتجز وبيده حربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متقلد سيفه ذا الفقار ، فقال رجل من أصحابه : احترس يا أمير المؤمنين فانا نخشى أن يغتالك هذا فقال علي (عليه السلام) : لئن قلت ذلك أنه غير مأمون على دينه وانه لأشقى القاسطين وألعن الخارجين على الائمة المهتدين ، ولكن كفى بالأجل حارسا ، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه وكذلك إذا حان أجلي انبعت أشقاها فخضب هذه من هذا ـ وأشار بيده إلى لحيته ورأسه ـ عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب.
أقول : فالمفروض على المكلفين التحرز عن بواعث الموت إلا فيما أمر الله بالجهاد ، ثم ليس عليهم الحفاظ على أنفسهم أكثر من ذلك التحرز حيث الأجل ضمان رباني.