أول عن إيمان ثان ، فالأول حالة الإيمان حيث يفتش عنه ، والثاني هالته بعد حالته حيث يزداد به ذكرى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥١ : ٥٥).
فطالما الإنذار شامل يحلّق على كافة المكلفين ، ولكن لا دور للذكرى إلّا لمن ألقى السمع وهو شهيد ف : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٥٠ : ٣٧) فهو (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٠ : ٥٤).
فالذين كانت فيهم أجهزة الاستقبال للذكرى مفتوحة ، كان القرآن لهم ذكرى معروفة ، ثم الذين أغلقوا على أنفسهم هذه الأجهزة هو عليهم عمى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢).
فقد اختص الحرج المنهي عنه رفعا أو دفعا بما هو من قضايا الدعوة بملابساته أمام الناكرين ، ولا سيما القوم اللدّ الذين كان يعيشهم منذ بزوغها.
وصحيح أنه (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) (٣٣ : ٣٨) إلّا أن ملابسات هذه الدعوة ـ المليئة بالأشواك والأشلاء والعقبات ـ هي التي قد تحرج الداعية فتحوجه إلى انشراح أكثر وانفتاح أوفر في استقبال هذه الدعوة الملتوية.
ذلك ، لأن هذا الكتاب بتلك الدعوة الصارمة الصامدة ، صدعا بما فيه من الحق ، ومواجهة للمرسل إليهم بما لا يحبون ، ومجابهة لعقائد وتقاليد ورباطات جاهلية ، ومعارضة لنظم وأوضاع ، لذلك كله وما أشبه من ملابسات الدعوة ، ليست طبيعة حال الداعية فيها إلا حرج واقع ليس ليزول إلّا بتصبّر زائد ، وصمود حائد ، وتوفيق خاص من الله ، و «إن الله تعالى لما أنزل القرآن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إني أخشى أن يكذبني الناس ويلثفوا ـ يكسروا ـ رأسي ويتركوه كالخبزة