يجر به الجمل ، فلو أمكن ولوج الجمل ابتداء بحبله الجمل في سم الحياط لأمكن دخول هؤلاء الجنة ، ومما يناسب ذلك الجمع أن الخيط الغليظ الذي يصعب ولوجه في سم الخياط يربط برقيق سهل الولوج فيلج به صعبه ، وفي ولوج الجمل الإبل بجمله الفتل الغيظ استحالتان اثنتان ، مما يجعل الممثل به تضاعف الاستحالة ، وعلّ من الوجه في صيغة «الجمل» هنا دون الإبل ، جمعها لجملي : الجمل وحبل الجمل ، دون الإبل جمعا بين الاستحالتين ، فدونك قف أمام ذلك المشهد الرائع الشهيد ، مشهد الجمل بحبله تجاه سم الخياط ، فلو انفتح ذلك الثقب الصغير لمرور الجمل الكبير بجمله القطير ، فقد تنفتح الجنة لأولئك المكذبين بآيات الله المستكبرين ، ولكن :
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)(٤١).
هناك لهم «مهاد» مهدوها في الحياة الدنيا ، حيث الآخرة بحذافيرها هي مثال الدنيا المخلّفة ـ بما وعد الله ـ هي عنها ، ف (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ) من تحتهم فراشا «مهاد» أمهدة مفترشة ممهدة لهم بكل ألوان العذاب التحتية ، ثم (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) جمع الغاشية فهي أغشية مشتملة ، وهي العذابات الساترة لهم ، المحيطة بهم من جوانبهم كلها ، فيكون استظلالهم بحرها كاستقرارهم على جمرها ، ف (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ. تَصْلى ناراً حامِيَةً. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ. لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ. لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٨٨ : ١ ـ ٨).
فالغاشية هي التي تغشاهم مهادا من تحتهم وسائر الغاشية من فوقهم : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩ : ٥٥) ، وعلى حد المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): عند تلاوته هذه الآية : هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدرى ما فوقه أكثر أو ما تحته غير انه ترفعه الطبقات