الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فيبقى الثامن وهو واسع التكليف الذي لا يكلف المكلف إلا واسعا في طاقته.
وكما أن واسع التكليف شرط في أصله لكافة المكلفين ، كذلك هو في كلّ منهم ، فإذا كانت الموانع لفعل المفروض أو الجواذب لفعل المرفوض ، كانت أقوى من طاقة المكلف أم يساويها ، أم هي أقل منها بقليل لا يعبأ به ، إذا فهذا التكليف خارج عن وسع المكلف فلا يكلف به ، اللهم إلّا إذا عدم الوسع بسوء اختيار ، وإذا فليس التكليف الخارج عن وسعه إلا بوسعه قضية سوء اختياره في ترك الوسع.
هذا ، فقد يقدر التكليف بالطاقة الموسعة امام المكلف به وإلا فلا تكليف إلا فيما استثني.
فالمفروض تركه أو فعله الذي هو بحاجة إلى عصمة ربانية خارج عن الفرض لمن دون المعصومين ، كما حصل ليوسف (عليه السّلام) في قصة امرأة العزيز ، ف (لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١٢ : ٢٤) ـ فلو لم يدركه (عليه السّلام) برهان ربه وهو العصمة الربانية لهم بها على عصمته البشرية التي هي فوق العدالة العادية ودون العصمة الربانية ، فإن وقع غير المعصوم في نفس المأزق الذي وقع فيه يوسف (عليه السّلام) لكان في همه بها أم وفعله فيها معذورا إذ لم يكن تركها في ذلك الظرف الحاسم العارم في وسع الطاقة غير المعصومة.
وهكذا الأمر في كل طاقة قاصرة عن مكافئة أو مكافحة العصيان ، إلا إذا كانت قاصرة عن تقصير ، كالذي يسافر إلى بلدة يعلم اضطراره فيها إلى اقتراف محرم أو ترك واجب ، حيث اضطراره المقصر ـ إذا ـ غير عاذر ، فليس الاضطرار أو الإكراه أو سلب الطاقة عاذرا للمضطرين والمكرهين ومسلوبي الطاقة إلا إذا كانت هذه الحالات دون فعلهم القاصد وإرادتهم.
لذلك نجد آيات الاضطرار تعبر عنه بصيغة المجهول ك (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) لا «فمن اضطر» فالاضطرار المباغت هو الموضوع للعذر ، دون أي اضطرار وان كان باختيار.