ذلك ، و «نفسا» هنا هي عبارة أخرى عن «روحا» فلأن الله هو الذي خلق الأرواح بوسعها ، فهو الذي يعرف وسعها ، خلاف ما ظن قوم من الملحدين الغفلة الجهال أن الله لا يعرف النفوس ، فقد يكلفها فوق وسعها ، وكما تقولوه في (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١٧ : ٨٥) أن الجواب لم يحصل عما سئل ، امتناعا منه لفقد العلم به ، ف (ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) تبكيت وتقريع لم يقعا موقعهما ، بل هو على سبيل المحاجزة والمدافعة عن الجواب ، ولقد فصلنا البحث حول آية الروح ، وأن فيها الإجابة عن كافة الأسئولة حول الأرواح كلها ، فراجع.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) إذ ما كانوا يستطيعون نزعه عنها وهو المستمر فيها نكال في الجنة ، فقد «نزعناه» نزعا لما كان يحدد الإيمان وعمل الصالحات ، وهو في الجنة يكدر طيبة العيشة والعشرة مع الإخوان.
أجل (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (١٥ : ٤٧) وكما كانوا يتطلبونه هنا (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٥٩ : ١٠).
فقد يكون غلّ الصدور بما يخيّل إلى ذوات الصدور من تقصير لإخوان وهو قصور أم تقصير منا قاصر بحقهم فنطلب أن يزيل ذلك الغل وألّا يجعله في صدورنا ، أو يكون غلا بحق اعتداء بمثل حيث ظلمك أخ لك في الدين ، فقد يرجح زوال ذلك الغل عن الصدور سماحا عما حصل ، ثم إذا لم يزل الغل في صدورنا فالله هو الذي يزيله عنها في الجنة تحقيقا رفيقا للتعايش السلمي في دار الكرامة والرحمة حتى لا تحول ـ كما في الأولى ـ زحمة.
أم إنه غلّ بحق لا يحق زواله لأنه بغض في الله ، فالله قد يزيله في الآخرة حيث يزيل سببه بعقاب أم غفران بحق ، فلأن غل المؤمن في صدر المؤمن عذاب ، لذلك فلينزع تخفيفا خفيفا عن صدور المؤمنين ، ولكن