هَدانا لِهذا) : الدخول والخلود في الجنة ، ولهذا النزع للغل من صدورنا ، ولهذا الجري من تحتنا الأنهار ، والجمع بينها لهذا المصير بذلك المسير حيث «هدانا» تعم هدى الأولى إلى الأخرى ، فإن هدى الأولى هي التي تهدي إلى هدى الأخرى الميراث العظيم (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) بسبب الحق ومصاحبين الحق وحاملين الحق (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
وذلك الميراث يعني انهم سكنوا مساكنهم فيها وزيادة هي مساكن الآخرين الذين حرموا الجنة ، فان الله خلق لكل واحد من المكلفين مكانا في الجنة ومكانا في النار ، فكل من فقد مكانه من الجنة إلى النار يرثه أهل الجنة مكانه إلى مكانه نفسه.
ذلك (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) تنظر إلى قلة الطاقة البشرية في سبيل الهدى امام النزعات الشيطانية التي تتغلب عليها لولا أن هدانا الله.
مسرح عظيم من حوار الجنة والنار في مناداة ، وبينهما رجال الأعراف ، فلنعرف من هم أولاء الأكارم وما هو ذلك الحوار المستقبل وكأنه حاضر في المشهد بكل مصارحه وملامحه؟
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ)(٤٥).
هنا مناداة بين فريقي الجنة والنار وبعد ما وجد كلّ ما وعدهم الله بما يعدون ، فقد ينعم فريق الجنة بما وجده من الوعد ، جدنا حقا ما وعدنا ربنا حقا ، حيث إن «حقا» ذو تعلقين اثنين ، ثم يستجوبون فريق النار فلا مفلت لهم عن «نعم» (١) ، ثم «أذن (مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) من مذياع الحق بالحق
__________________
(١) المصدر عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف على قليب بدر من المشركين فقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ، فقال له الناس : أليسوا أمواتا؟ فقال : إنهم يسمعون كما تسمعون.