الأعراف بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، تقريرا لمصير كلّ بمسيره ، إذاعة من قبل الله في ذلك الموقف المجيد.
ف ١ (عَلَى الْأَعْرافِ) تعريف أول بأصحاب الأعراف ، فإنها أعراف متعالية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، لا يحق أن يكون عليها إلّا الحاكمون عليهما المتكلمون بفصل القضاء فيهما من قبل الله ، فكيف يكونون هم الأدنون المرجون لأمر الله.
٢ ثم «رجال» لا تعني رجولة الجنس ـ فقط ـ بل هي مجمع كافة الرجولات في كافة حقول الفضائل والفواضل ، ولو كانوا هم الأدنون المرجون لأمر الله ، فالأكثرية المطلقة منهم نساء بطبيعة الحال الأنوثة ، فكيف يعبر عن هذه المجموعة التي أكثرها نساء ب «رجال» دون «ناس» أما أشبه؟!.
٣ ثم (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) تحلق معرفتهم بكل أهل الحشر ، جماعيا كأصحاب الجنة وأصحاب النار ، وشخصيا هو معرفة كل فرد فرد من الفريقين بدرجاتهم أم دركاتهم ، وليست هذه المعرفة القمة الفائقة إلا لأعرف العارفين بالله وأقرب المقربين إلى الله.
ففي حين أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ما كان ليعرف المنافقين بسيماهم : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٤٧ : ٣٠) كما و (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٩ : ٤٣)! وهذه قضية الابتلاء في حياة التكليف! إذا فكيف يمتاز رجال الأعراف ـ إن كانوا هم الأدنين ـ بهذه المعرفة التي تزيد على معرفة الرسول يوم الدنيا؟ إلّا أن يكون هو منهم كأفضلهم والباقون هم على هامشه.
أجل ، وهذه المعرفة المتميزة عن نشأة التكليف أولا ، وعمن هم في المحشر من أصحاب الجنة وأصحاب النار ، تبين بوضوح أن رجال الأعراف هم أعرف العارفين بالله ، حتى اختصهم الله في ذلك الموقف الحاسم القاصم أن يكونوا مثله وآيته وإذاعته بين أهل الحشر كلهم.