والقول إن (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) تحدد كل الأبصار في ذلك اليوم ، مردود بأنه حديد في إبصار أعمال كلّ حيث (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) ، كما القول إن (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٥٥ : ٤١) تعمم تلك المعرفة لأهل الحشر؟ فان (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) تقرر فاعل المعرفة هذه «بسيماهم» أنه الأخذ الرباني بالنواصي والأقدام.
فليس هناك مجال لهذه المعرفة الشاملة كل أهل الجمع إلّا لأقرب المقربين إلى الله.
٤ ثم (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) برهان قاطع لا مرد له على أنهم هم الأعلون في المحشر المعشر ، حيث يحملون ـ هم ـ سلام الله إلى أهل الله ، لمكان (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ولا يحمل سلام الرب الرحيم إلى عباده الصالحين إلا أصلح الصالحين الذين يمثلون أمره ويحملون القمة العليا من رسالته الربانية ، ولو أنهم من المرجوين لأمر الله إذ خلطوا عملا صالحا وآخر شيئا ، كانت حالهم تشغلهم عمن سواهم!.
وأما (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) فليست لتعني رجال الأعراف ، حيث كونهم على الأعراف يعرفنا أنهم لمّا يدخلوها ، فلا مبرر ـ إذا ـ لذلك التكرار ، مع أن أقرب المرجعين المحتملين لضمير الجمع هم (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) كما (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) الآتية صارحة صارخة انهم (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ).
كما وأن (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لا تدل على أنهم من الأذنين ، فانها دعاء لأصلح الصالحين إلى من دونهم من سائر الصالحين.
وقد تعني «مع» هنا معية المكان ، ألا توقفنا ربّنا في هذا الموقف صرفا لأبصارنا تلقاء أصحاب النار إلا قدر واجب الحوار وتقرير المصير ، ومعية الشفاعة منا لمن لا يستحقونها ، ونحن غير مأذونين فيها ، وأخيرا معيتهم في دخول النار تخذلا وتذللا لأنفسهم أمام الله كأنهم لا يستحقون الجنة فإنها قضية فضل الله ورحمته وليست قضية عدله.