نفاذ أمره تعالى دون حاجة إلى تدرج وتمهل انه لا يريد شيئا إلا وهو كائن ، فقد أراد تكوين المادة الأولية فكانت دون تدرج ، ثم خلق منها السماوات والأرض بتدرج ، دون أن يكون ذلك التدرج المقصود فيما فيه التدرج نقصا في قدرته ، بل هو لحكمة عالية ربانية تقتضيه ، فقد يقول لأي من مراحل التكوين التدريجي «كن» فيكون كما يريد دون تمهل ضعفا في القدرة ، وهنا يتجلى معنى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٤ : ٥٠) و (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣٦ : ٨٢).
ذلك ، وباختصار نجد القول بمجرد سوى الله يخالفه العقل والكتاب والسنة ، فالعقل إنما يحكم بحدوث المادة والطاقات المادية ، وليس المجرد عن المادة بحاجة إلى خالق لتجرده عن الحاجة المحوجة إلى الخالق.
والكتاب مصرح بأن الروح منشأ من البدن : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (٢٣ : ١٤) وانه منفوخ في البدن (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (٣٢ : ٩).
والسنة كلمة واحدة مصرحة بمعنى : أن الروح جسم خفيف قد ألبس قالبا كثيفا ، أو أنه كالريح لخفته.
وبعد كل ذلك نتساءل القائلين بتجرد الروح ، أليس هو داخلا في البدن ، فمحدودا بحدود البدن ، ولا حد ولا أبعاد ولا مكان للمجرد عن المادة ، اللهم إلّا الطاقة المادية ، وليس النزاع في كيان الروح إلّا في أصل تجرده أو ماديته ، وأما كونه طاقة مادية ـ إن صدقه القائلون بتجرده ـ فموضع وفاق بين الطرفين ، وليس النزاع لفظيا حيث الفلسفة والبحوث الفلسفية ناحية منحى الواقع دون الألفاظ إلا نظرا إلى مدلولاتها الواقعية.
حول العرش :
لقد تحدثنا حول العرش على ضوء آيات تحمله ولا سيما آية حمله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) و (كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١١ : ٧) وآية الكرسي في قياس بينه وبين العرش ، وما أشبه ، أن