العرش المنسوب إلى الله ، المستوى عليه الله ، هو بطبيعة حال هذه النسبة ليس من العروش المادية التي يتكئ عليها أصحابها السلاطين ، إنما هو إشارة إلى فعلية السلطة الربانية خلقا وتقديرا وتدبيرا ، فقد كان عرشه هذا على الماء قبل خلق الأرض والسماء : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (٧ : ١١) فلأن «الماء» هنا هو أوّل ما خلق الله ـ كما يأتي فيه قول فصل على ضوء آيته ـ ثم بعد خلق السماوات والأرض استوى على عرشهما ، ومن ثم بعد خرابهما يستوي على عرش القيامة الكبرى ، فهو ـ إذا ـ ذو العرش في هذه المراحل الثلاث واقعيا ، وقد كان ذا العرش قبل أن يخلق خلقا ، بمعنى حيطته العلمية والقيومية غير الفعلية ، على ما سوف يخلقه ، فإنه عالم إذ لا معلوم وخالق إذ لا مخلوق ، وقادر إذ لا مقدور ، بمعنى انه تعالى لا تحدث له سلطة بعد ما لم تكن ، وإنما تظهر سلطته على ما يحدث بعد كأمنها في علمه وحياته وقدرته ، حيث الصفات الفعلية كلها منشآت من الصفات الذاتية.
ولأن الخلق والتقدير هما مخلوقان ، فالحيطة العلمية والقيومية عليهما أيضا مخلوقتان ، إذا فالعرش كسائر الخلق خلق من خلق الله في كيانه الفعلي ، كما أنه من صفاته الذاتية في كيانه الشأني (١) ، فقد يصح القول
__________________
(١) في التوحيد باسناده عن سلمان الفارسي فيما أجاب به علي (عليه السّلام) الجاثليق فقال علي (عليه السّلام): إن الملائكة تحمل العرش وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر وربك حامله لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء ..» أقول : لأن الخلق والتدبير محدودان فالعرش الذي فيه أزمته أمور الخلق محدود بنفس الحدود ، ولكن صفات الله الذاتية كذاته غير محدودة.
وفي الكافي عن البرقي رفعه قال : سأل الجاثليق عليا (عليه السّلام) فقال : أخبرني عن الله عزّ وجلّ يحمل العرش أو العرش يحمله؟ فقال (عليه السّلام) : الله عزّ وجلّ حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ـ
قال : فأخبرني عن قوله : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، فكيف ذاك وقلت : انه ـ